جدتي نفيسة لا تشبه الجدات!

Arabic children books

بقلم: جوخة الحارثي

ماذا تتوقع أن تقرأ في كتاب أطفال يحمل عنوان «جدتي نفيسة»؟

إما أن يتكلم الكتاب عن رحيل الجدة، وانتقالها إلى العالم الآخر، وبالتالي تقدم القصة محاولة لتقريب الطفل من مفهوم الموت الغامض، وإما أن تكون عن جدة ما تزال على قيد الحياة، وهكذا كان حال الجدة نفيسة.

أم ماجد – مثل كثير من الأمهات العربيات- موظفة، واليوم بالذات عليها حضور مؤتمر طويل في الوزارة، وعلى ماجد، طفلها، أن يبقى مع جدته نفيسة.

إذن ماذا نتوقع بحكم إلفنا الطويل لكتب الأطفال وحتى مسلسلات الكرتون؟

جدة سمينة، تضع النظارات السميكة، تخبز لماجد الفطائر، وتحكي له حكايات الماضي، وتشتغل بالكروشيه وهو يلعب أو يشاهد التلفاز، وربما تأخذ إغفاءة. ولكن مهلا! الإغفاءة موجودة حقا في القصة، ولكن ماذا عن باقي الكليشيهات عن الجدات؟

الجدة نفيسة تستقبل ماجد بالأحضان، وتلبس بالفعل نظارة طبية، ولكنها نظارة حمراء آخر موضة، وبدلا من أن تلبس قبعة العجائز -الشهيرة في القصص- وتخبز الفطائر الشهية، فإنها تعد لماجد فطورا صحيا ولذيذا في الوقت نفسه مستخدمة الخلاط؛ إنه عصير الفواكه الطازج، الذي يجده ماجد لذيذا جدا.

والآن؟ الكروشيه أو النزهات المملة في الحدائق؟ لا، إنه شيء لا نتوقعه؛ الرياضة. إنه وقت برنامج الرياضة المفضل لدى الجدة، وهي حريصة على أن تقوم بكل حركات التمرينات الرياضية كما يبثها البرنامج التلفزيوني، حتى إن ماجدا المسكين يفشل في مجاراتها، ويستلقي من شدة التعب وهي لا تكف عن المثابرة على القفز، ولا تنسى المؤلفة إمتاع قارئها الصغير بأصوات الحركات، فمثلما كان خلاط الفاكهة يصيح: وررررررررر، نجد البرنامج الرياضي: يمين، شمال، فوق، تحت…..

إنها جدة عصرية حقا، فقد انتهى أو كاد ينتهي عصر الجدات الطيبات اللواتي لا يفعلن شيئا غير الثرثرة عن الماضي الجميل، والحنين إليه، فالجدة نفيسة تعيش في الحاضر، وتميزها لا يكمن فقط في اهتمامها بالصحة واللياقة وحيويتها المتدفقة، وإنما أيضا في خياراتها في الحياة التي يتعلم منها حفيدها، فما المفاجأة التي أعدتها الجدة له؟

إنه ركن خاص لماجد داخل مرسمها، فالجدة نفيسة فنانة، وهي تشجع حفيدها على الإبداع، وعلى إظهار مهاراته والتعبير عن ذاته بالفن، وتقدم بالتالي رسالة لقارئها الصغير أن الفن يبعث على التقدير، ويغير من نظرتنا إلى الحياة، ويسمح لنا – مهما كنا صغارا- أن نعبر عن أنفسنا.

وبعد أن يستمتع ماجد بالرسم نجد الجدة تأخذه في سيارتها القديمة إلى متحف الفنون، حيث عليها أن تسلم بعض اللوحات، وهناك تقول لمدير المتحف -كأي جدة عادية- إن حفيدها سيصبح فنانا مثلها. ولكن ماجد -طفل عصري هو الآخر- لا يستسلم للخيارات المحددة سلفا، حتى لو كانت محددة من قبل جدة رائعة كجدته، بل يمتلك الثقة ليقول إنه ربما يصبح طيارا. إنه مشهد بديع وقوي في القصة يوجه الرسالة للطفل بأكثر الطرق ذكاء وبعدا عن السطحية والمباشرة واحتراما لذكاء الطفل.

وماذا بعد الغداء والآيس كريم في كافتيريا المتحف؟ تضع الجدة نفيسة النظارات الشمسية مكان النظارات الحمراء، وتنطلق مع ماجد إلى محل الخردوات حيث تنتقي قطعا تصلح لأعمالها الفنية، ويتعلم ماجد ما معنى كلمة خردة، وينتقي صندوقا خشبيا له.

يا لهذا اليوم الطويل! حين يعودان تغفو الجدة قليلا، فيأتي هذا المشهد الذي سيضحك منه كل طفل: يأتي والد ماجد لاصطحابه فيقول: مسكينة، سيدة كبيرة تتعب بسرعة! آه أيها الأب، ليس لديك أي فكرة أي امرأة مفعمة بالحيوية والطاقة هي الجدة نفيسة! يضحك ماجد متواطئا معنا، ويضحك القارئ الصغير، ونضحك نحن الكبار على غفلتنا وسقوطنا في دائرة التعميمات والصور النمطية.

لا يضاهي إبداع الكاتبة في تصوير عمق الروابط الأسرية، والتضامن الأسري، والصلة العميقة بين الجدة التي تصنع لنفسها حياة فتعطي حفيدها من طاقتها الإيجابية، وحفيدها المعجب بها والمستقل في تفكيره في الوقت نفسه، لا يضاهي هذا الإبداع غير إبداع الرسامة التي جعلت كل تفصيل في القصة نابضا بالحياة والفكاهة والمرح والتقدير، آه ليت لي جدة كالجدة نفيسة!

المصدر: أكثر من حياة

http://hayaah.net/?p=367921

 

لا توجد تعليقات على “جدتي نفيسة لا تشبه الجدات!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) ليقدم لك تجربة تصفح أفضل. من خلال تصفح هذا الموقع ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط.