تغريد النجار تفقد “دُميتها” في 1948 وتستعيدها في 2002 .. رواية ” لمن هذه الدمية” تسرد التفاصيل

يافا

سواليف ديما الرجبي 2/9/2019

تألقت القاصة والروائية الأردنية تغريد النجار بروايتها التي صدرت حديثاً عن (دار السلوى) تحت عنوان ( لمن هذه الدمية) والتي بدأتها بجملٍ تصور مشهد بعض العوائل الفلسطينية _اليافوية_ التي خرجت من بلادها قسراً لتبدأ حياتها في بلاد_ العم سام_ في محاولة لنشر الثقافة العربية وتأكيد الهوية الفلسطينية من خلال منبر علمي مُنيت به الجدة ليلى _بطلة الرواية_ حيث شغلت منصب دكتورة جامعية في العلوم الإنسانية وناشطة في إحياء التراث الفلسطيني العربي ومحاضرة حول أهمية الهوية الفلسطينية في شيكاغو ، وهو ما يسبب لها المتاعب

أحداث الرواية تشبه تفاصيل حياة أيٍ من الأُسر الممتدة المهجرة من بلادها ، طريقة سرد النجار للتفاصيل والأحداث الحاصلة في حياة _الجدة_ وابنائها وأحفادها في بلاد الغرب تؤكد إبداع الكاتبة في إيصال ما يتعايش معه المُهجر في بلاد لا تشبه بلاده بشيء

استعانت الكاتبة بكلمات سلسة وعبارات واضحة لتصل هذه الرواية إلى قلوب المراهقين قبل عقولهم، وخبأت النجار مفاجأة في روايتها حبكتها بدقة وجمالية عالية ومزجت بين المغامرة والتشويق والألم والتاريخ في التفافة مذهلة جسدتها في _دمية الجدة_ التي تركتها في يافا عام 1948 إثر الحرب ووجدتها حفيدتها أروى في شيكاغو عام 2002 .

وفي خضم تفاصيل زخمة وسلسة تعبر النجار في روايتها على عدة أزمات اهمها القضية الفلسطينية ونظرة الغرب إلى العرب والمسلمين خاصةً بعد احداث سبتمبر _أبراج التجارة_ في الولايات المتحدة ، ودور الجاليات العربية في تحويل هذه النظرة إلى المسار الحقيقي لما حدث ، وتذكير هذا الجيل ممن ولد وترعرع بعيداً عن جذوره الفلسطينية ببلاده وحقيقة إحتلاله .

علاقة الجدة بعائلتها أخذت الجزء المهم من الرواية حيث أبرزت النجار مدى قدرة هذه الجدة على استيعاب مصاعب الحياة لدى ابنائها وأحفادها بكل حب وصدق مما يجعل القارىء يشتاق و / أو يُدرك أهمية وجود الجدة كجزء أساسي في حياته، رحلة استجلاب الذاكرة من خلال إيجاد دمية ليلى_الجدة_ عندما وجدتها الحفيدة _أروى_ معروضة للبيع على أحد مواقع البيع الالكتروني ، هو ما اتاح للنجار بأن تتوسع في سرد تفاصيل حياة أهل ليلى في الزمن القديم فلم تنسى الكاتبة أن تذكر أدق التفاصيل من الصورة التذكارية ووصف الأب _والد ليلى_ والمرور على حياة أخوة الجدة وأمها ، لتُدخل القارىء في حالة مشابهة لما يسمى _ التعايش مع النص_ فتقدم الأحداث وتؤخرها ، وتعالج بين السطور أزمة إختلاف الثقافات خاصة

لمن ينشأ أبنائه في مجتمع يبتعد كل البعد عن عاداتنا وتقاليدنا ونشأتنا العربية، وتُعطي الجدة ليلى جرعاتها الحكيمة والسحرية في التعاطي مع حفيدتها أروى التي لا تعلم عن هوية جذورها الفلسطينية غير ما تتحدث به الجدة وتسلط النجار الضوء على ما تمرّ به أروى من تقلبات عاطفية نظراً لأنها مراهقة اعتادت الحياة المتحررة فلم تجد خيراً من الجدة ليوجهها بما يخدم مصلحتها ويحافظ على كيانها وكرامتها ، ولم تغفل النجار عن تطعيم بعض النصوص بجمل باللغة الإنجليزية لتجسر الهوة بين ذائقة المحبين للغة الغرب والمكتشفين للغتهم وهو ما يعتبر ذكاء من الكاتب بمعاصرة أذواق اليافعين والاستجابة لميولهم الحديثة .

فصول الرواية مرنة ومترابطة، ومغامرة البحث عن دمية الجدة من قبل أروى وصديقتها تجذب إهتمام اليافعين وتدخلهم في حالة تشويق وإنتظار لما سيترتب على بحث أروى عن هذه الدمية وتترك الخيال أمامهم بإختيار الأحداث المُقبلة قبل الوصول للنهاية وهو ما عكفت النجار على عمله بكل بساطة في روايتها.

رواية ( لمن هذه الدمية؟) للكاتبة تغريد النجار هي إضافة لأدب اليافعين وخلطة سحرية لتلقين وتعليم هذا الجيل كيفية الإحتفاء بمنابتهم ومعرفة عدوهم وفهم الحقائق كما هي وتوصل رسالة خالدة من خلال _ الدمية_ الا وهي أن الحقائق تبقى حتى ولو كانت بشهادة دُمية فمن خلال هذا التجسيد _الدمية_ إستطاعت النجار توثيق ونقل أحداث الأزمة الفلسطينية المستمرة، ولم تتوقف عند ذلك الحد بل أكدت الكاتبة بأن الأفلام الوثائقية وسيرّ الحياة لمن عايشوا هذه المجريات منذ البداية هي خير ما يُقدم للأجيال القادمة .

تختم النجار روايتها بصورة عائلية لجدها المحامي محمود الماضي وصورة والدتها ” سلوى” وهي تحمل دمية التقطت عام 1933 ، وتكتفي النجار بهذه الصورة لتجعل القارىء في حيرة من أمره ويتسائل هل هذه الرواية حقيقية ؟ وهل الجدة ليلى هي نفسها أم الكاتبة ؟ رواية تستحق القراءة ….

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) ليقدم لك تجربة تصفح أفضل. من خلال تصفح هذا الموقع ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط.