بقلم روز الشوملي
تغريد النجار “في ليلة مظلمة”
قليل من الكتاب والكاتبات تناولوا الجوانب النفسية للطفل، وبنوا عليها قصصهم. ومن هذا القليل تطل علينا الكاتبة تغريد النجار في كتاب “في ليلة مظلمة” تعالج فيها مشكلة الخوف عند الأطفال بعد كتابها المشهور “الغول” ولكن في هذه المرة تتناول خوف الأطفال من أفلام الرعب، بعد أن تناولت في قصة الغول، الخوف من الأشياء التي نجهلها والتي قد لا تكون مخيفة أصلاً، وإنما تربينا على الخوف منها لنكتشف أنها هي الأخرى خائفة. وللكاتبة تغريد النجار اثنتا عشر قصة ضمن سلسلة أحسن صديق، والتي تضمنت قصة الغول، وست قصص صدرت ضمن سلسلة الحلزونة وتأتي قصة “في ليلة مظلمة” من ضمنها.
”في ليلة مظلمة” قصة مصورة تمتد على مدى أربع وعشرين صفحة، تصلح لأطفال المرحلة العمرية الأولى، ويمكن قراءتها من قبل الأطفال في مرحلة الطفولة المتوسطة، وهي صادرة عن دار السلوى للدراسات والنشر في العام 2002. وقد قامت بإعداد الرسومات السيدة لجينة الأصيل.
في قصة “في ليلة مظلمة” تتحدث جود عما حصل معها ومع أختها الكبرى جمانة حينما بقيتا وحدهما في البيت ذات ليلة. جمانة تقنع جود بمشاهدة فيلم مرعب على التلفاز،وكيف تتفاعل الطفلتان أثناء مشاهدتهـما للفيلم وبعد المشاهدة. تصف جود لحظات الرعب التي عاشتها مع أختها، لدرجة أنهما يتخيلان أي شئ على أنه وحش أو لص. وفي النهاية، تقرر جود بشجاعة أنها لن تحضر أفلام الرعب حتى لو اعتبرت جبانة.
و ما أن تصف تغريد النجار حالة الطفلتين بعد أن انتهى الفيلم وسمعا صوتا خربشة، وكيف أثر فيلم الرعب في شحذ خيالهما المكتظ بكافة الإحتمالات، لنكتشف في نهاية القصة، أن الخربشة ما هي إلا صوت القط.
أفلام الرعب والأطفال
تعالج القصة نتائج مشاهدة التلفزيون دون رقيب. فجمانة الأخت الكبرى يشدها فيلم رعب، وهي تحاول أن تقنع أختها الصغرى التي تصغرها بسنوات، كما تبين الرسومات، بالترغيب حيناً والترهيب أحياناً بحضور الفيلم معها. فهي من جهة، تقنعها بأنها ستغير القناة إذا كان الفيلم مرعباً، ومن جهة أخرى، تتهمها بالجبن لعدم رغبتها في المشاهدة. ورغم أن جود تخاف أفلام الرعب، لكن ابتزاز جمانة ووعدها لجود يجبرها على مشاهدة الفيلم. وما أن يبدأ الفيلم حتى تشاهداه حتى النهاية.
تبين تغريد النجار تأثير مشاهدة أفلام الرعب على شخصية الطفل أثناء حضور الفيلم وبعد أن ينتهي. تصف كيف يسقط الطفل في شرك التوتر والترقب على أمل أن ينتهي الكابوس دون أن يتمكن من الانسحاب، وكيف يظل هذا التأثير قائماً حتى بعد انتهاء الفيلم. فالخوف الذي يواكب مشاهدة الفيلم يصبح حالة ترقب لما قد يحصل في الواقع. وتغريد النجار لا تفعل ذلك بشكل مباشر، إنما نتوصل إلى ذلك من خلال وصف جود، الأخت الصغرى، والتي تصف الأشياء كما تحدث دون لف أو دوران. فهي تصف حالة الخوف التي سيطرت عليها وعلى أختها، التي ادعت الشجاعة قبل أن يبدأ الفيلم، وببراءة الطفل، تصف كيف لم تتمكنا من التوقف عن المشاهدة. تقول جود، “كنا نصرخ أحياناً ونتمسك ببعض، ونتابع مناظر الفيلم من خلف الوسادة”. وتصف جود حالة الرعب التي سيطرت عليهما عندما سمعتا صوتاً يأتي من جهة المطبخ، وكيف حملتا المكنسة ومضرب التنس ومشيتا إلى المطبخ على رؤوس الأصابع مع تساؤل، “هل هو الوحش؟ هل هو لص؟” وتعرف تغريد النجار كيف تنهي قصتها التي تضع الطفلتين، والقارىء في حالة رعب. تنتهي القصة بانفراج، حين تكتشف الطفلتان أن سبب الصوت هو قطهما ميلو.
الراوي كطفل صغير
جميل أن تروى القصة بصوت جود، فهي تتحدث عن الأمور ببساطة وعفوية. هي تعبر عن خوفها، على عكس الأخت الكبيرة التي تتظاهر بالشجاعة والمعرفة وتمارس سلطة الأخت الكبرى في ظل غياب الوالدين الذين خرجا للسهرة.
خفة الدم واضحة في الصفحة الأولى حيث تبدأ القصة “هل تحبون أن تشاهدوا أفلاماً مخيفة على التلفاز؟ لتعرفوا ما حصل معي ومع أختي جمانة ذات ليلة، اقلبوا الصفحة.” وفي المفاجأة عندما يتبين أن الوحش المتخيل ما هو إلا القط. كما تتجلى خفة الدم حين تقول جود “جبانة أو غير جبانة… لن أحضر أفلام رعب بعد اليوم أبداً.. أبداً…أبداً.”
الرسوم التوضيحية والقصة
للقصة روايتان. رواية ترويها الكلمات، ورواية نقرأها بالرسوم التوضيحية. والرسوم التوضيحية ربما تفوق أهمية النص من حيث أن الطفل في المرحلة العمرية المبكرة يستطيع أن يقرأ الصور التي توحي له بالقصة، أو تساعده على قراءة القصة بعد أن يقوم البالغ بقراءتها له. الرسوم التوضيحية تشحذ خيال الطفل وتسهل له العبور إلى عالم التجريد المعبر عنه بالكلمات. والجميل في الرسوم التوضيحية أنها تركزعلى الحالة النفسية لشخصيات القصة والتي يمكن أن يقرأها الطفل. فحالة الخوف التي هي أساس المشكلة يمكن قراءتها من صورة الغلاف. الرعب باد على وجه الطفلتين وهما تبحثان عن شيء ما. وفي الصفحتين الثانية والثالثة نتعرف على جود التي ستروي الحكاية وعلى القط ميلو الذي توحي تعابيره بأنه يعرف أن له دور في هذه الحكاية. وتظهر جود كأنها تجاوزت خجلها من الخوف وأنها أصبحت على استعداد لتروي الحكاية. وتعبر الرسومات التوضيحية في القصة عن الفرق بين الوضع النفسي للطفلتين قبل مشاهدة الفيلم وأثناءها وبعدها وحالة الإنفراج في نهاية القصة.
تصور الرسومات التوضيحية في الصفحات الأولى طفلتين في ملابس النوم والوالدين يستعدان للخروج. واضح أن الطفلتين أختان، واحدة تكبر الأخرى بسنوات. الأخت الكبرى تهتم بالأخت الصغرى، وتحنو عليها، والأب والأم مطمئنان. واضح أن هناك جو مريح في البيت، مما يجعلنا نطمئن أن الأخت الكبرى ستهتم بالأخت الصغرى أثناء غياب الأبوين. وتأتي الصفحتان اللاحقتان لتؤكدا أن الأخت الكبرى فعلاً تهتم بأختها الصغرى، فهي تعد لها الطعام، وتلاطفها، ونراهما ترقصان معاً. وفي التلفاز تظهر سيدة تحمل الميكروفون كأنها تغني، لندرك أن الطفلتين ترقصان على أنغام الأغنية. ثم يتغير مشهد التلفزيون لتظهر مذيعة تتكلم، ونرى الأخت الكبيرة تتحدث وكأنها تحاول أن تقنع أختها بشيء ما، ونستطيع أن نرى حالة الخوف التي تسيطر على الأخت الصغرى أثناء حديث الأخت الكبرى من خلال نظراتها، وحملها للوسادة تخفي بها نصف وجهها تحسباً.
بعدها نرى حالة الرعب تسيطر على الأختين. صحيح أن الأخت الكبيرة تحمل الأخت الصغيرة في حجرها، لكن علامات الخوف سيطرت عليها هي أيضاً. ونستطيع أن نرى من خلال الرسوم الإيضاحية أنهما رغم هذا الخوف، لم يستطيعا أن يمنعا نفسيهما من متابعة المشاهدة. فهما ينظران بطرف عينيهما باتجاه التلفاز، والتلفاز لا نرى منه سوى السواد، أو العتمة، وعليه ندرك ارتباط العتمة بالخوف وبالليل حيث تمتد أحداث القصة.
حالة الرعب لا تزال واضحة في الرسوم التوضيحية. الطفلتان تسيران على أطراف أصابع قدميهما، الأخت الكبرى تحمل المكنسة، وتتقدم نحو الباب بحذر، والأخت الصغرى تتبعها وهي تحمل مضرب التنس بيد، وتمسك أختها الكبرى باليد الأخرى، والخوف باد على الاثنتين، لنتقل إلى الصفحتين التاليتين حيث نرى خيالاً أسود اللون يبدو كبيراً، والدهشة والخوف باديان على الطفلتين. في الصفحتين الأخيرتين، نرى ملامح السرور والبهجة. صحيح أن الرسوم الإيضاحية لا تبين في هاتين الصفحتين سبب الإنفراج، لكننا نرى في الصفحات التي تلي ظهور القط في كل الصور، فندرك أن القط لم يكن في البيت طيلة فترة الأحداث، وأنه عاد منذ اللحظة التي رأينا فيها صورته، وأن هذا الظهور ترافق مع انفراج في أسارير الأختين.
رغم هذا الانفراج، نرى أن الأخت الصغرى تنام في سرير الأخت الكبرى، وندرك أن تأثير الفيلم لا زال قائماً ولكن بدرجة أقل حدية. وندرك أن الأخت الصغرى، لا زالت تعاني من قلق في النوم كونها كانت مستيقظة عندما عاد الوالدان.
هذه القصة توضح كيف يتصرف الأطفال عادة في غياب الأهل في أعمار مختلفة، وكيف يلعب كل منهما دوراً مكملاً للآخر ومؤثراً فيه. للفور، تقمصت الأخت الكبرى دوراً أكبر من عمرها، والأخت الصغرى دوراً أصغر من عمرها. ولذلك فهذه القصة تصلح لمرحلتين عمريتين. وتساعد الرسوم الإيضاحية للقصة أن تقرأ بالصور من قبل أطفال المرحلة العمرية الأولى، كما يساعد النص البسيط والمشكل، بأن يقرأ من قبل أطفال المرحلة العمرية المتوسطة. القصة تساعد الطفل القارىء في أن يتجاوز خوفه، وأن يدرك أنه ليس وحده من يخاف، وأن هذا الخوف إنساني ولا يقتصر على عمر بعينه. والأهم من ذلك، يدرك أنه غير ملزم أن يفعل شيئاً لا يريده، وقد يضعه في خانة الخوف. ربما قرار جود في نهاية القصة بأن ترفض أن ترى أفلام الرعب حتى لو اتهمت بالجبن، يساعد الطفل أن يرفض دون خجل من أن يتهم بالجبن. ربما لن تحقق جود هذا الوعد الذي قطعته على نفسها، لكن كلامها يدل بشكل مؤكد على تجربة لم تكن بالسهلة. ولكن ذكاء تغريد النجار في الإنفراج عند قمة التوتر، تجعل من هذه التجربة خطوة على طريق النضج.
قصة للأطفال وللأهل معاً
“في ليلة مظلمة” هي قصة نقرؤها لأطفالنا، ولكن هل ننتبه أننا أيضاً نترك أطفالنا في أوضاع مماثلة؟ من منا يعرف ما قد يدور في رؤوس الأطفال في ليلة مظلمة، وما قد يصوره لهم خيالهم؟ وخيالهم عادة أوسع من خيالنا وأكثر خصباً.