مقتطفات من مقالة بقلم بيثان ستاتون- “عين على الشرق الأوسط”
حوار مع تغريد النجار
ترجمة: هديل مقدادي
بدأت تغريد النجار بتأليف القصص وهي في بداية سن المراهقة. كانت تغريد قارئة نهمة خلال نشأتها في مدرسة داخلية في القدس في الستينيات من القرن الماضي، ألّفت أولى قصصها كحكايات خيالية عن شقيقها البالغ من العمر ثلاث سنوات كانت تحكيها له يوميا قبل أن ينام. مع الوقت صار لهذه الحكايات وجود مستقل، وشجعها أهلها على تسجيلها كتابيا.
” في أيامنا هذه يقابل أطفالنا كتابهم المفضلين في المدارس والمراكز الثقافية. للأسف حين بدأت التوجه للكتابة للأطفال لم يكن هناك كاتب مختص بأدب الطفل يمكنني أن أقتدي به فكان علي أن أجد طريقي بنفسي”. هذا ما قالته تغريد في حوارها مع “عين على الشرق الأوسط”. “كانت فترة صعبة للغاية، وخاصة في الأردن. لم يكن هناك فنانون مختصون برسومات كتب الأطفال وكانت الطباعة بالأبيض والأسود لارتفاع تكلفة الطباعة الملونة. لقد كانت الكتابة والطباعة للأطفال أرضًا بكرًا “.
تقول تغريد النجار: “في تلك الأيام، كانت كتب الأطفال الجيدة الأصيلة الموجهة للجماهير العربية قليلة. كانت الكتب المترجمة تسيطر على السوق، ولكن في السنوات العشر الماضية، شهدت صناعة كتب الأطفال تطورا واضحا وتقدما ملحوظا على كل الأصعدة لدرجة أن الخبراء يتحدثون عن نهضة في أدب الأطفال. دور نشر مثل دار “كلمات”، التي أصدرت أكثر من 155 كتابا منذ بداية عام 2007، ودار “أصالة”، التي تأسست في عام 1999، حصلت على سمعة قوية لإصدارها كتب أطفال رائعة وغيرهم الكثير. كذلك أسهمت الجوائز مثل جائزة “اتصالات”، التي هي الآن في عامها الخامس، في إعطاء المبدعين أكثر من سبب لإنتاج أعمال متميزة.”
والآن بعد ما يقارب الأربعين عامًا من إصدارها كتابها الأول، فإن تغريد النجار الآن من أهم رواد أدب الأطفال، ومؤلفة قُلِّدت جوائز عديدة وأصدرت عشرات الكتب، ومؤسِّسة لدار نشر لكتب الأطفال وهي “دار السلوى”، التي تعتبر واحدة من أفضل دور النشر للأطفال في المنطقة.
عندما بدأت النجار كان لديها مشكلة إيجاد رسّامين محترفين، وعلى الرغم من أنها ليست فنانة، قامت بتصميم رسومات أول قصة نشرتها بنفسها.
أثناء اقتحامها لهذا المجال، حدث تجديد آخر في مجال النشر للأطفال، وهو ظهور “دار الفتى العربي” التي قبلت نصوص النجار في عام 1976. لقد كانت “دار الفتى العربي” قوة ثورية – بكل ما تحمل هذه العبارة من معنى – في أدب الأطفال العربي. دار النشر هذه مؤسسة فلسطينية أسسها في 1974 نبيل شعث، وعملت من بيروت لإنتاج كتب للأطفال تهتم بمواضيع تدعم القضية الفلسطينية، وعلى نحو أقل بمواضيع أخرى غير سياسية.
أصبحت منشورات “دار الفتى العربي” في كل مكان. لقد تمكنت من التحدث إلى كل العالم العربي، وتراوحت أعداد نسخ إصداراتها بين العشرة آلاف والخمسة عشر ألفًا – وهذا الشيء لا نراه حتى في يومنا هذا. تفسّر تغريد النجار ذلك بقولها: “ولكن كل هذا ليس بيت القصيد. النقطة المهمة في كل هذا هو أن الكتب التي أصدرتها دار الفتى العربي كانت كتبًا ذات جودة ممتازة من حيث المحتوى، ومن حيث التصميم والرسومات، جودة لم يشاهد الناس مثلها هنا في المنطقة أو يختبروا شيئا مشابها لها باستثناء الكتب الأجنبية. والرسالة هنا واضحة جدًّا: إن الكتب العربية يمكن أن تكون كتبًا على نفس القدر من الجودة، إن لم تكن على قدر أكبر. الرسالة كانت: “انظروا، يمكننا أن نفعل ذلك.”
والحق يقال أيضًا أنه في نفس الفترة الزمنية برزت تجربة أدبية ثانية مميزة في العراق، وهي ” دار ثقافة الأطفال” التي أصدرت كتبًا أصيلة ومترجمة ذات مستوى عالٍ.
“لفترة طويلة كانت الكتب التي يراها الأطفال مرتبطة بالأجانب، وكان الناس الذين يراهم الأطفال فيها أجانب. المنازل مختلفة عن بيوتنا… رجال الشرطة يرتدون زيَّا مختلفًا عن زي رجال الشرطة في مجتمعنا، حتى ملامح الناس تبدو غريبة عنا. مهما كانت هذه الكتب جيدة فهي لا تعبر عن وجدان أطفالنا وبيئتهم.” هذا ما قالته النجار عن الكتب التي كانت متاحة في السبعينات والثمانينات.
بالرغم من كل هذا فإن هؤلاء الرواد الذين يصنعون المشهد في أدب الأطفال العربي الحديث لا يزالون يواجهون تحديات عميقة في سبيلهم لإنتاج أعمال جميلة باللغة العربية. في المنطقة العربية الممزقة بالصراعات يكون التوزيع أحد أهم هذه التحديات. الحرب مثلا جعلت السوق السوري عمليًّا مغلقًا نهائيًّا.
من الطبيعي أن تكون الكتب المرسومة ذات الجودة العالية مكلفة، والمكتبات العامة التي تعير الكتب ليس لديها موطئ قدم قوي في الأردن. ولهذا فبالرغم من أن كتب تغريد متوفرة في السويد واليابان والولايات المتحدة الأمريكية، فإنه وللأسف، من المستحيل تقريبًا العثور عليها في المدن الأردنية البعيدة مثل معان أو العقبة.
يتفق الكتّاب والقراء على أن الاستمرار في نهضة صناعة الكتابة والنشر يتطلب الكثير من العمل الذي يتعين القيام به. ولكن بعد عقود عديدة كانت الأسواق الأردنية تزخر فيها بالكتب والترجمات الإنجليزية، بدأت حركة المرور في الاتجاه المعاكس: كتاب تغربد النجار “ما المانع؟” تمت ترجمته إلى الإنجليزية من قبل لوسي كوتس في الشهر الماضي تحت اسم “الطبل الأخضر الصغير”. الكتاب الذي تقع أحداثه في قرية لفتا في فلسطين في الثلاثينيات يحكي قصة فتاة صغيرة تأخذ على عاتقها القيام بعمل والدها المريض الذي هو إيقاظ أهل القرية للسحور في شهر رمضان.
تقول تغريد النجار: “أدركت أنه إذا أردت أن أصبح كاتبة فيجب أن أكون كاتبة أصيلة”.
لن يكون كافيًا لها أن تكرر وضع مرجعيات ثقافية معروفة لحبكات وتركيبات مألوفة في ما تسطره من صفحات بل يجب أن توجد صوتها هي وقلمها هي.
تقول تغريد: ” أدركت باكرا أنه لا يمكنني أن أكون نسخة كربونية لأي أحد وحتى يكون لكتاباتي مصداقية وقيمة يجب أن تنبع من الجذور وتعبر عن وجدان أطفالنا. إذا كانت أعمالي نسخة عن الكتابات الأجنبية فهذا يعنى أنها لا قيمة لها .”
للمزيد:
– See more at: http://www.middleeasteye.net/in-depth/features/renaissance-childrens-literature-2112890178#sthash.wSW7MI72.dpuf
Tags:
تغريد النجار، أدب الأطفال، الحكايات الخيالية، دار السلوى، الكتب الأصيلة، الكتب المترجمة، صناعة الكتب والنشر، نهضة أدب الأطفال
Keywords:
نهضة أدب الأطفال، تغريد النجار، دار السلوى، كتب مصورة للأطفال، بيثان ستاتون، عين على الشرق الأوسط، دار الفتى العربي، المحتوى الأصيل للكتب، الطبل الأخضر الصغير، توزيع الكتب، تصميم الكتب، رسومات الكتب، ترجمة، هديل مقدادي، أدب الأطفال