عن قصة كوزي لأناستاسيا قراواني
مريم محمد هنطش
كُلّنا سواء أمام فاجعة الفقد، كبارًا وصغارًا مع اختلاف واحد هو أن الكبار يدركون شيئًا من فلسفة الموت المتشعّبة والمرهقة التي تستعصي على الفهم في كثير من الأحيان، ويبحثون طويلاً فيها عن سبيل للسلوى والمواساة في مصابهم، بينما الأطفال الصغار لا يملكون سوى الكثير الكثير من الأسئلة حول هذا الوحش الذي لا يعرفونه، ويخطف منهم ما يحبون فهم لا يملكون أجوبة على أسئلتهم المحيّرة والكبيرة على إدراكهم وفهمهم، وغالباً ما يعجز الكبار عن تقديم أجوبة شافية لأسئلتهم المجروحة… يعجزون عن إقحام فكرة الموت في مخيلّتهم البريئة التي لا تعرف إلا الورود والشمس والمطر، وفي أقسى الأحوال تعرف “الذئب الماكر” أو “الظلام المخيف” أو ما شابه ذلك، أمّا الموت القبيح فليس له في خيالهم أيّ قالب يلائمه، فكيف لنا أن نشرح لهم عنه؟ إننا نتشابه وإيّاهم فقط بالدموع الغزيرة التي نذرفها… بلسعة الألم التي تحرق القلب… بالخوف الكبير الذي ينتابنا وفي الأسئلة الصغيرة والكبيرة الموجعة. إنّنا بحاجة حقًّا لمواساة كمواساة الأطفال حين نفقد شخصًا عزيزاً للأبد، مواساة بعيدة عن كل ما نعرفه عن القدر والموت ونهاية العمر وانتهاء الأجل، إنّنا بحاجة في تلك اللحظة العصيبة المؤلمة
لشخصٍ يقول لنا ما قالته الأم لطفلها في هذه القصة البديعة حين فقد قطته الجميلة “كوزي”: “كل القطط لا بدّ أن ترحل يومًا ما، إنها تذهب لتعيش بعيدًا، تعيش قرب المطر والنجوم والقمر وتضيء عيونها سماء اللّيل حتى لا يشعر الأطفال بالخوف.”
إنّنا بحاجةٍ لأن يقول لنا أحدهم أن الرسائل الكثيرة الطويلة التي نكتبها لهم كلّ يوم، يقرأونها أو سيقرأونها يومًا ما، وأنّ نجوم الليل الذهبية الجميلة ما هي إلا عيونهم التي نشتاق إليها، فتهدهد علينا بسحرها حتى ننام وتسكن أرواحنا.
كلّ واحد منا فقد ” كوزي ” بطريقة أو بأخرى، و”كوزي” هذه قد تكون شخصًا عزيزًا أو قطّة أو أيّ شيء يناله الفقد، فهوَ يتربّص بكل الأشياء وقد ينقضّ عليها في أيّ لحظة، ولكنّ قصة بديعة كهذه ستكون كفيلة بأن تمسح حزن قلبك ببراءة كلّ ليلة قبل أن تنام.
غادرت “كوزي” الخاصّة بي أيضًا، ولكن لم تغادرني عيناها اللامعتان أبدًا ولهذا أتأمّل السماء كل ليلةٍ قبل أن أنام وأبتسم.
الكتب