تغريد النجار
في عام 1948 احتلّتْ فلسطين، وأُعلن الكيان الذي سمّيَ بدولة “إسرائيل” مكانَها.
سبق ذلك طرد وتشريد سكّانها بشتى الطرق الممكنة ليحصل اليهود على الأرض فارغة من شعبها الأصلي، وبعدها وُزّعت البيوت العربية على اليهود الذين استُحضروا من بقاع العالم ليكوّنوا دولة لهم في فلسطين.
كنت أتساءل دائمًا وأنا أسمع مرارًا وتكرارًا ما تقوله عائلتي عن البيت الذي تركوه في لفتا بكل ما فيه من خصوصيّات أي عائلة، وعن البيانو الذي اشتراه والدي لأمي لتعزف عليه وهي عروس جديدة.
أذكر أيضًا ما كانت ترويه لي حماتي عن بيتها الّذي تركته في القدس، وكيف أنّها عندما كانت حاملاً بزوجي أوصت على جهاز كامل لطفلها البكر من عند “راهبات الفرنسيسكان”، وقد كان جهازًا جميلاً مشغولاً بمحبّة من الكروشيه والتّطريز الخفيف، وقد وصفت لي كيف رتّبته في خزانته الصّغيرة وكيف وضعت في أحد الأدراج ألبوم صور العائلة وفيه خصلة من شعر ابنها الأشقر.
هذه القصص وغيرها، جعلتني أيضًا أتساءل عن شعور المهاجرين اليهود، الذين وزعت بيوتنا عليهم، عندما دخلوا البيت ورأوا كل تفاصيله الصغيرة، ترى هل شعروا بتأنيب الضمير وهم يمسكون ملابس زوجي وهو طفل أو خصلة شعره أو صور العائلة؟ وماذا يا ترى كان شعورهم وهم يمرّرون أصابعهم على مفاتيح بيانو أمي؟ للأسف معظمهم شعر أنّ هذا من حقهم ولم يهتمّوا أبدًا بهذه التفاصيل، ولكنّ هناك من شذَّ عن هذه القاعدة، وسمح لنفسه بالتعبير عن مشاعره الإنسانية؛ فوالدة ميكو بيليد
وزوجة جنرال في جيش الاحتلال عام 1948 شعرت بفداحة الأمر، ورفضت أن تسكن أحد هذه البيوت التي عرضت عليها قائلة أنها عندما دخلت البيت وأمسكت بإبريق القهوة الموجود على طاولة في المطبخ، وجدت أنّ الإبريق ما زال دافئًا، ممّا يعني أن أصحاب البيت لم يكادوا يتركوه. رفضت أن تسكن في البيت وقالت لابنها: “كيف يمكن أن أسكن في بيت أمّ أخرى وأنا أعرف أنَّ هذه العائلة تشردت وأصبحت دون مأوى؟” وقد يكون هذا التعاطف من قبلها السّبب الّذي جعل منْ ابنها لاحقًا ناشطًا في الدفاع عن الحقوق الفلسطينية ورافضًا للقصّة الصهيونية التي تربى عليها. وقبل عدة أشهر قرأت خبرًا مفاده أنّ سيدة يهودية تعمل فنانة وتدعى “ليؤور” شارفت على السبعين من عمرها احتفظت مدة سنين طويلة بممتلكات فلسطينية، وهي عبارة عن سجادة وثوب رجل وأدوات منزلية لأصحاب البيت العربي الذي سكنته عائلتها بعد النكبة، وقررت أن تعيد هذه الممتلكات لأصحابها بعد مضي 70 سنة. وبالطبع كان من الصعب أن تعثر على أصحاب البيت الأصليين فقامت بإعادة الأشياء لبلدية الطيبة ليتم وضعها في متحف الطيبة. هذا التساؤل الذي طالما راودني كان البذرة التي بنيت حولها روايتي الجديدة “لمن هذه الدمية؟” وأصبح أحد خيوط حبكتها.
وفي هذه الرواية ألقي الضوء على حياة عائلة فلسطينية في الشتات في شيكاغو تحديدًا، وأتطرّق من خلال أحداث القصة إلى رحلة العائلة من يافا مرورًا ببيروت ووصولاً إلى شيكاغو. تروي لنا القصة الجدّة، الأستاذة الجامعية، ليلى وحفيدتها أروى التي تبحث عن جذورها وهويتها. ولكن ما علاقة الدّمية بكلّ هذا؟
عليكم أن تقرؤوا الرواية لتعرفوا!
-
لمن هذه الدمية؟$10.00