طلاب البكالوريا يبحرون في رواية “ست الكل” للكاتبة تغريد النجار

بقلم: هديل مقدادي

أن تقرأ رواية فهذا شيء عادي جدًّا، أما أن تعيش في الرواية وتتفاعل معها وتغرق في عمق مياهها فهذه هي الروعة بحذافيرها.

عشت تجربة المتفرج المستمتع بالأحداث، المراقب لما يجري حوله مع علمي بالتفاصيل الدقيقة لرواية “ست الكل” للكاتبة تغريد النجار حين حضرت مع فريق “دار السلوى” جلسة حوارية عُقدت في مدرسة “البكالوريا”- عمان.

ولأنني أحببت هذه الرواية منذ أن قرأتها أول مرة وشعرت بحروفها وكلماتها كنت أتجنب أن أكتب عنها الكثير خوفًا من انحيازي لها وسقوطي في فخ البعد عن الموضوعية، ولكنني هنا لا أستطيع إلا أن أؤكد على أهمية اللقاء بالكاتب بعد قراءة الرواية، هذا الكاتب الذي ينقلنا إلى عالم آخر ويتركنا نعيش أياما من حياتنا خارج عالمنا المحدود، ينتظر منا أن نخبره عما شاهدنا ووجدنا خاصة إذا كان القارئ طفلاً يقف على طرف الكتاب ويشاهد جميع انحناءاته وتفاصيله بدقة وشفافية.

وقد تأثرت عميقًا بما توصل إليه طلاب البكالوريا من تحليلات كنت قد لمستها، وسأوجزها على لسان طلاب الصف السادس في نقاط:

-رواية “ست الكل” للكاتبة تغريد النجار، تختصر حياة “يسرى”، فتاة من غزّة  تعاني من الحصار الذي يشكل أمواجًا عاتية تحاول سحبها باتجاه اليأس والاحباط. تحاول يسرى السباحة عكس التيار مستخدمة قوة كامنة لم تعهدها في نفسها من قبل وتكافح بكل قوة وأمل وتحاول كسر قيود الحصار عن نفسها وعن عائلتها.

-رسومات القصة تعبيرية تمزج اللونين الأبيض والأسود بتناغم بديع، كلما تأمل أحدنا الرسومات وجد الكثير من أحداث القصة داخلها بشكل غير مباشر. غلاف القصة يعكس الصراع الذي تعيشه يسرى والتي ترمز إليها السمكة الملونة- بألوان وأشكال التطريز الفلسطيني- تعلو وجه السمكة ابتسامة بالرغم من سباحتها عكس اتجاه باقي السمكات التي تمشي مع التيار حيثما يأخذها.

-الحصار في “ست الكل” ليس القيد الوحيد الذي يتحكم في مصير يسرى، لكن عادات وتقاليد المجتمع تحاول أيضا التحكم باتجاه حياة يسرى… تنجح الكاتبة بتسليط الضوء على هذه القيود تاركة الفرصة للقارئ باستنتاجها واحدا تلو الآخر.

– الأسماء في الرواية تعكس حياة الشخصيات، فلكل اسم نصيبه من الأحداث، فيسرى كان نصيبها من اسمها أنها ستيسّر الحياة على عائلتها التي تكافح من أجل لقمة العيش الكريم، “أسعد” صديق صالح يجلب السعادة ليسرى وعائلتها.  و”صالح”  الشهيد هو الابن الصالح والأخ الصالح والصديق الصالح الذي استشهد وهويشتري الفلافل ليحضره لأصدقائه…
صالح الذي يحب الحياة ويحاول أن يغير من حياته وأن ينظر إلى كل الألم الذي حوله بأمل، تقتله طائرة غادرة وقد كان صالحًا للحياة بكافة أشكالها… صالح كان يريد العودة لأصدقائه كي يغني معهم… أليس الغناء احتفالاً بالحياة؟

– الفلافل: طعام الفقراء… رمز البساطة والعفوية… أيقتل الإنسان وهو في طريق عودته سعيدًا يحمل بساطة الحياة في يد وقلبه الذي يريد أن يغني في يده الثانية؟

– أبو صالح العصبي أحيانًا مع زوجته هو ذاته الشخص المحب الحنون الذي أخذته هموم الحياة بعيدًا فأصبح ينسى نفسه ويضرب صينية الشاي بيده ويصرخ من الغضب.
في الرواية تدرك هذا التناقض الذي يعيشه هذا الرجل المقعد الذي كان يعتدّ بقوته في زمان مضى فلا تكرهه بل تعذره وتحبه لأنه إنسان حنون عطوف تتجلى محبته لعائلته في طريقة تعامله مع ابنته.

-هناك تنوع في المكان، نجحت الكاتبة بنقل الطلاب من مكان إلى آخر، كما سلطت الضوء بشكل كبير على تنوع التفكير ونمط الحياة عند أهل غزة. توصل الطلاب إلى أنه لا يوجد تعميم مطلق على أهل غزة  فهناك المحافظ التقليدي المتشبث بالعادات والتقاليد دون منطق وهناك الذي يحب الحياة ويسعى لإيجاد مكان أفضل يحيا فيه بطريقة لا تحكمها العادات البائدة ويساهم كي يجعل من هذا المكان-غزة- مكانًا أفضل يتسع للجميع.

-النورس في الرسومات يرمز إلى الاحتلال، فكما يتغذى النورس على البقايا والفتات، يأتي الاحتلال ليأخذ ما ليس له قهرًا وعنوة ويتغذى على دماء الشعوب المسحوقة.

-التقى طلاب البكالوريا عبر “سكايب” مع “مادلين قلاب” التي استوحت تغريد النجار فكرة “ست الكل” منها ثم نسجت بخيالها خيوط الرواية التي لامست الواقع بشكل كبير بالرغم من أن تغريد لم تلتق “مادلين” من قبل ولم تتعرف على قصة حياتها، إلا أن تغريد النجار وكما تقول مادلين نجحت بالحديث عنها وعن معاناة أهل غزة بطريقة رائعة وملفتة للنظر.

-قد تكمن الحرية داخلنا، من الممكن أن نسجن داخل سجن كبير ولكن سعينا إلى الحرية يكون برغبتنا في الحياة -التي جسدتها في الرواية موسيقى “الراب”- وقدرتنا على الأمل وممارسة الحياة وتحدي الصعاب تمامًا كما فعلت يسرى.

لقد كان اللقاء رائعا بدرجة كبيرة، إن تناول هؤلاء الأطفال “الكبار” هذه الرواية بهذا العمق، ومشاركة المعلمين لهم البحث والتمحيص من شأنه أن يمنح الطفل فرصة عظيمة ليصبح كاتبًا هو نفسه في المستقبل، ويمنح كاتب الرواية الفرصة كي يظل مصرًّا على الارتقاء بكتاباته إلى المستوى المنشود،
وفي النهاية لا أملك إلا أن أسقط في الفخ، لقد نالت هذه الرواية ما تستحقه من نجاح عندما ناقشها طلاب البكالوريا بهذا الشكل التحليلي المستفيض، ونلت بعض ما أتمنى عندما كان يُخرج كل طالب وهو يبحر في قارب “ست الكل” شبكته مليئة بكنوز بحر غزة وبأهازيج الصيادين.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) ليقدم لك تجربة تصفح أفضل. من خلال تصفح هذا الموقع ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط.