حنان أبو جارور
عن الرّواية
تقع أحداث الرّواية في قطاع غزّة المُحاصر. فكرة الرّواية الرئيسية مُستوحاة من قصّة حقيقية لفتاة في غزّة إسمها ” مادلين كُلاب”. وما عدا ذلك، فإنّ شخصيات الرّواية وتفاعلاتها هي من نسج خيال المؤلفة. تمر عائلة يسرى بالكثير من الظّروف الصعبة، يستشهد الأخ البكر صالح، ويتعرّض الأب لحادث يُفقده القدرة على العمل. تمر العائلة بأزمات نفسية وضائقة مالية شديدة. تُبادر سلمى، الأبنة الثانية والفتاة الوحيدة في البيت، لتولي زمام الأمور والعمل مكان والدها في صيد السّمك لتُعيل العائلة. تتعرّض يسرى للكثير من الرّفض والإنكار لمبادرتها سواء من قِبل عائلتها خاصّة، أو من قبل أهل غزة عامّة. تُصمّم يسرى على ما نوته، ممّا يُعيد فيما بعد، للعائلة التّوازن الماديّ وبالتالي الراحة النفسية. من خلال صيد السّمك، تتكشّف أمام يسرى العديد والعديد من الفرص والتّجارب التي تصقل شخصيتها وتقوّيها. تواجه الجنود الاسرائيليّون فتُطلب لمقابلات صحافية. مما يشدّها إلى عالم الصحافة والإعلام فتصبح بنفسها مُراسِلة صحافيّة تنقل همَّ شعبها وقضيّته من سجن غزة المُحاصَرة إلى العالم أجمع.
عن الغلاف
البحر الأزرق مرسوم على الغلاف وفيه أسماك، كلّها بلونٍ واحد أسود وابيض، تسبحُ في اتّجاهٍ واحد وكلّها ذات إيماءة واحدة غير فعّالة. إلّا من سمكةٍ واحدة، تسبح عكس التيّار، مُبتسمة وملونة بألوان حيوية زاهية. في هذه النظرة للوحة الغلاف، ترميز إبداعي لفكرة الرّواية الأساسية وهي التغريد خارج السّرب وما يحمله هذا الإختلاف من تميّز عن الاخرين ورضا ذاتي كبير.
تجليّات البحر في رواية ست الكل
جمعت رمزيةُ البحر هنا إلى الغموض من جانب واحد وإلى الأستكشاف من جانبٍ آخر. فها هي يسرى العنيدة الجريئة تسبر غوار نفسها وتكتشف عن ذاتها الكثير الكثير مما كانت تجهله من قدراتٍ وإمكانات. فتتحدّى المنظومة المُجتمعية السائدة بتحديد مساحة الأنثى
الضيّق إلى ما وراء جدار البيت ورعايةِ أهله. فتُقرّر أن تمتهن عمل أبيها وما يحمله ذلك من عناء ومشقّة على الصّعيد الجسدي. وعناء نفسي مما يحمله من تحدٍّ لرفض وامتعاض أبيها وأمها وأهل غزة جميعهم عن أن تكون فتاة صيّادة، تشارك الرّجال وتزاحمهم في البحر وهي الفتاة الغضة التي لتوّها خرجت الى الحياة. تواجه قرارها بقوة لانّه أفضل بالنسبة لها من انتظار الحسنات من الجمعيات الخيرية والجيران والمُحسنين. وهنا رفضت يُسرى أن تلف مستقبل عائلتها بالغموض فقررت ركوب البحر لتكتشف حلول وموارد جديدة تنهض بها نحو الأفضل.
تشكيل الوعي الذّاتي لمعاني الهويّة الفلسطينية
مُحتوى الرواية يجعلنا نقف أما تحدٍ كبير. فهي تطرح أمامنا قضية وجوديّة سياسية من الدّرجة الاولى. قضية الوجود والصرّاع الفلسطيني المُتمثّل بقطاع غزة وكل ما يتبعه من الحصار، القصف، الأنفاق، الأوضاع الأقتصادية والإجتماعيّة وتداعيات العلاقات الدولية وتأثيرها على تشكيل الأزمة في غزة. والتّحدي الذي تجعلنا هذه الرّواية نقف أمامه هو، هل يلائم فتياننا وفتياتنا أن نعرض أمامهم هذه المستويات من التعقيدات السياسية؟ هل سيدركونها؟ بالتأكيد أقول، لا بدّ لنا من طرح هذا المحتوى “المُعقّد” لأن هذا يعزز تشكيل الوعي الذاتي لمعاني الهوية وخاصة لما تحمله الهوية الفلسطينية من اختلافات. الفلسطيني في غزة، الفلسطيني في الضفّة والقطاع، الفلسطيني داخل “الخط الأخضر” أو ما يسمى عرب 48 والفلسطيني في المهجر كلّها أشكال مختلفة لهويّة واحدة فرضتها المصالح والمُعاهدات الدوليّة العربية والأجنبيّة على حد سواء. تأتي هذه الرّواية لتعزّز دور الأدب وقوّته في رفع الوعي وبلورة هوية سياسيّة فلسطينيّة واضحة المعالم. التّضامن او التّخاذل العالمي، المعاهدات الاتفاقيات وتصوير الحياة الحقيقية وعرض أطراف النّزاع يجعل القارىء مطّلع وشريك في القضية، سيرورتها، تركيباتها وتعقيداتها. في الرواية سمّت يسرى مدوّنتها التي انطلقت بها نحو العالم خارج سجن غزة، سمّتها “ست الكل” لأنّه كان إسم قارب صيد والدها ولأنّها في نظر والدها ست الكل ولأنّ غزةَ “ست الكل” في قلوب أهلها ولأنّ فلسطين “ست الكل” في قلوب كل الفلسطينيين والعرب.
أدب الفتيات في ست الكل
تضاف رواية “ست الكل” إلى قائمة أدب الفتيات العربية. غزّة وسجنها كما السجّان والعادات والتّقاليد والمجتمع بذكوره ونساءه، كلّها معيقات نحو التطور والإنطلاق بالنسبة ليسرى ولاي طفلة فتاة وامرأة. “غزّة أكبر سجن بالعالم، بينما كانت تنظر إلى البحر كنقطة إنطلاق نحو الحياة، ها هو السجّان يعترضها حتّى من داخل البحر ويحاربها في لقمة العيش”. تطرح تغريد النجار التساؤل “ما العيب؟” في رّواية “ست الكل”، كما طرحته في قصة الاطفال “ما المانع؟” عبر السؤال “ما المانع”؟.
التساؤلات ما العيب ؟ (أن تصبح الفتاة صيّادة؟) وما المانع؟ ( أن تصبح الفتاة مسحراتية) . هذا الطرح الذي تُكرّره تغريد في كتاباتها الموجّهة للاطفال وللنّاشئة يجعلنا في حالة سؤال دائمة أمام محاولات من التّصحيح لنظرة وتعامل المجتمع مع الفتاة والبنت؟ كما أن هناك أصوات مُناهضة أخرى ترتفع مع صوت يسرى. فصوت دعد يرفض ايضا الحواجز التي يفرضها المجتمع. “كل شيء ممنوع ممنوع، حتّى التفكير ممنوع، يريدوننا أن نكون قطيعا من الخراف”. فلا دعم أكبر وأقوى من الدعم الذي تتلقاه فتاة من فتاة وامرأة من امرأة. صوت الفتاة الذي يظهر حيال الحب واختيار الحبيب. فهذه يسرى التي تختار بنفسها شريكا في الفكر ومجالات الاهتمام بينما تختار العائلة زوجا لابنة جيرانهم يكبرها بعشر سنوات ولا تعرف عنه شيئا غير انه ميسور الحال. تختار يسرى نوع الحب الذي تريده، الحب الذي ينبت في أكثر الأماكن اضمحلالًا ووعورة.
فرصة تتلوها فرصة
الجرأة وعدم الرّضوخ للواقع المُعاش وتحدّي المُعيقات، ليس مُهدِّدًا وإنّما يفتح أمامنا أبواب الفرص على مصراعيه. فهذه سترة تأتيها فرصة أن تصبح صيّادة فتستغلّها دون هوادة فتواجه السجّان وتذوق تجربه الوقوف بين يديه، ومنها أصبحت هدفا للصّحافة المحليّة والعالمية لتشارك تجربتها مع العالم بأكمله، تتلقى كاميرا خاصة بها وتُنشأ تدوينه تخاطب عبرها العالم أجمع من سجنها. مما يُعلّم العالم بالمقابل، الوجه الآخر لغزة ، ما هي غزّة ومن هم أهلها ويسلط الضوء على مساحات جميلة غير مساحات الدمار والاحوال الاقتصادية المتدهورة والمُتردّية. ويبرق رسالة لأبناءنا وبناتنا أن التّمرين والتّدريب وخوض تجارب جديدة ونسج علاقات مختلفة يؤدي إلى إنماء الشّخصيات وتحوّلها نحو الأفضل. التعمّق والتّمرس بجدية بجديّة يحوّلنا من هواة إلى محترفين. كيُسرى التي أصبحت تتقن الكتابة الإبداعية الماهرة . ومن الحلقة المُفرغة المُعاسة في غزة، من الضّعف النفسي والعقابات الجماعية التّعسّفية، ترفع يسرى سقف توقّعات أخيها من نفسه الذي يتمنّى أن يكون صيّادا فتوسّع افاقه أنّ باستطاعته أن يصبح أيّ شيء عندما يكبر. وجاءت الرسمة الأخيرة في الرّواية لتعزز الوصول عبر الجسر الممتد من على البحر الهائج المُتلاطم.
- تقع الرّواية في 27 فصلا وفي 154 صفحة من القطع المتوسّط .
- ملائمة للأجيال 14_9
- قراءة هانئة يا أصدقاء
-
ست الكل$10.00