أهازيج من ألبوم الذاكرة 

بقلم هديل مقدادي

 

من منّا لا يعود بذاكرته إلى سنوات خلت عندما يستمع إلى فيروز وهي تغني لريما… يلا تنام … يلا تنام؟

من منّا لا يتذكّر جدته وقصصها وحكاياتها وأغانيها وهي تدلل أحفادها وتنثر الحنان في أرجاء المنزل؟

ومن منّا لا يتذكر أهازيج الروضة والسنوات الأولى في المدرسة، وأهازيج اللعب في الحي مع أولاد الجيران؟

 

تشكّل الأهازيج  جزءًا لا يتجزّأ من الذاكرة الشعبية  لمختلف الشعوب حيث تؤرّخ للمراحل التي تمر بها ثقافة الأمم، وهي كألبوم الصور الذي يحتفظ بالصورة والموقف في لحظة محددة. وقد تنوّعت الأهازيج واختلفت باختلاف المناسبات والمواسم واستخدمت كوسيلة للتعبير عن الأفراح والأحزان…تلجأ إليها النفس بحثًا عن الراحة بعد العناء.

 

وعلى مر السنين عملت الأهازيج كمساعد للأمهات والجدات في تربية الأطفال، وكطريقة للّعب معهم كلعبة أصابع اليد مثلاً (هادا الصغير الشاطر…هادا لبّاس الخواتم… هادا الكبير البهلووووول…. هادا لحّاس الصحون…الخ) كما استخدمت الأهازيج لتهدئة مخاوف الطفل ومساعدته على الخلود إلى النوم.

وقد وجد الباحثون أنّ استجابة الطفل الرضيع لغناء أمه وهدهدتها استجابة غريزية وفطرية، وأن الطفل يعتاد على نوع معين من النغمات والأصوات تتناسب مع نومه أو اللعب معه وترقيصه،  فمثلاً عند سماعه لأهزوجة النوم -التي غالبًا ما تحتوي على حروف المد لإطالة النغم وخاصة في الكلمة الأخيرة، وتكون ترانيمها هادئة وذات لحن حنون- فإن الطفل سرعان ما يستجيب لها ويستغرق في النوم.

 

أما عند سماعه أصواتًا تترافق مع لحن سريع فغالبًا ما يستجيب لها بالحركة أو بالرقص وفي أكثر الأحوال تكون أهزوجة اللعب خفيفة اللحن سريعة الآداء كما أنها قد تحتوي على كلمات غير مفهومة لإضحاك الطفل وتسليته.

 

تعتبر أهازيج الأطفال تسلية ووسيلة هادفة في وقت واحد، فالهدف الرئيسي منها إمتاع الطفل وإسعاده ولكنها أيضًا وسيلة لتقريب الشعر والموسيقى لأذن الطفل، كما تعتبر وسيلة لتقديم معلومة أو قصة بسيطة أو فكرة أو قيمة معينة، وهي تساعد على تقوية ملكة الحفظ عند الأطفال.

استخدمت الأهازيج أيضًا لتعليم الأطفال فهي تهيء الطفل للسماع والاستيعاب حتى قبل أن يبدأ النطق ثم تنتقل معه لمرحلة أخرى أثناء الروضة والسنوات الأولى من المدرسة حيث تسهّل المعلومة على الطفل وتقرّبها إلى ذهنه مثلاً (الواحد عصاية…والاتنين عكازة…. والتلاتة مسننة…الخ)

 

ومن الملفت للنظر أن الأهازيج بشكل عام وأهازيج الأطفال بشكل خاص تتشابه من دولة عربية إلى أخرى في المضمون والمحتوى مع اختلاف بسيط في اللهجات المحكية وأحيانا في الإيقاع.

 

ونحن في الدول العربية نحتاج بشكل كبير أن نحتفظ بثقافتنا الشفوية التي تتناقلها الأجيال ونحافظ عليها من الضياع ونقدمها لأطفالنا بشكل حديث يجذبهم.

 

إن تنمية الحس الموسيقي والذوق الفني يرتبط بالأطفال منذ ولادتهم وتعد الأهازيج أداة فاعلة لذلك، خاصة إذاكانت تنهل محتواها من معين الثقافة الشعبية التي نأمل أن تنتقل من جيل إلى جيل…  فالأمة الحية لاتتجدّد إلا بتراثها وأصالتها.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) ليقدم لك تجربة تصفح أفضل. من خلال تصفح هذا الموقع ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط.