روايات تثير اهتمام اليافعين

روايات_لليافعين

كثيرا ما أُسأل عن كتابة الروايات لليافعين وكيف أجعلها تثير اهتمامهم وعن الطقوس التي أتبعها والمحاذير التي أتجنبها لهذه المرحلة العمرية . عندما أكتب الروايات لا أمسك مسطرة وأحاول القياس عليها، ولا أُفكّر فيما يجب أو ما لا يجب تقديمه لليافع. مثل هذا التوجه يحد من الإبداع ولا يحترم عقل اليافع بل أركز على القصة التي استفزتني لروايتها وعلى تسلسل الأحداث بشكل منطقي، وعلى تطوير شخصيات ثلاثية الأبعاد وحبكة مشوقة وأحداث مثيرة؛ فسرّ الكتابة لليافعين هو الكتابة من القلب واحترام القارئ اليافع. وطبعا ككاتبة متمرسة لي أكثر من 40 عاما في هذا المجال، أعرف بشكل فطري أيضا ما يهم ويجذب اليافع وكيف أتوجه له فأحافظ على التوازن ما بين الواقع القائم في مجتمع اليافعين والمتوقع المطلوب من المجتمع المحافظ.

الكتابة لليافعين مثل الكتابة للكبار يمكنها أن تعرض أي موضوع يخطر على البال ولكن من منظور اليافع وبالأسلوب المناسب لهذه الفئة العمرية. لذلك تجد أن الكثير من الكبار يستمتعون أيضا بقراءة قصص اليافعين.

ومع أن أدب اليافعين لا يختلف بمضمونه كثيرًا عن أدب الكبار إلا أن له بعض الخصائص التي تميزه أهمها:

أن تكون الشخصية الرئيسة في روايات اليافعين قريبة من عمرهم حتى يتماهى اليافع مع الشخصية ويشعر أنها تتحدث معه مباشرة وتشاركه همومها وأفراحها. ولكن هذا لا يمنع من تخطي هذه القوانين أحيانا في الأدب، وقد اتبعت هذه النصيحة في معظم رواياتي ولكن في آخر رواية لي وعنوانها “لمن هذه الدمية؟” اخترت أن تتشارك الجدة والحفيدة موقع الشخصية الرئيسة. فمن خلال أحداث الرواية تتكشف قصة حياة الجدة بدءًا من طفولتها في فلسطين وحتى تقاعدها في شيكاغو. الرواية تسير بمسربين متوازيين وتتقاطع الأحداث بينهما وتتحدث عن العلاقة الخاصة بين الجدة وحفيدتها أروى وتبين كيف نضجت شخصية أروى وتطورت وكيف ساعد التعرف على جذورها في تأكيد هويتها التي كانت تبحث عنها.
العلاقة مع الأجداد، كانت وستظل دائما محل اهتمام في أدب الطفل، ولهذا نجد الكثير من قصص الأطفال التي تتناول هذه العلاقة لما فيها من حميمية وخصوصية، فلطالما كانت الجدة والجد أبطالا في نظر أحفادهم، ولطالما كان هناك فضول يتملّك الأحفاد حيال حياة أجدادهم الماضية في شبابهم وطفولتهم… فضول حول حياتهم المدرسية أو العاطفية أو الاجتماعية، أو حول علاقة أجدادهم بآبائهم، أو علاقتهم بالبيئة المحيطة بهم… إذًا لا شيء يمنع أن تكون الجدة بطلة مع حفيدتها لإحدى الروايات، فتكتشف الحفيدة أسرار حياة جدتها وتربطها بعالمها الذي تعيش فيه، فهي لابد امتدادها بشكل أو بآخر، كما أن هناك متعة حقيقة يجدها اليافع عند اكتشاف الأسرار، فكيف إذا كانت تتعلّق بجده أو بجدته الذين رافقوه أجمل أيام حياته!
وفي أدب اليافعين مثل أدب الكبار مسموح أن نكسر بعض القواعد أحيانا، ولا يجب في أي حال أن تُكَبّل القوانين الابداع أو التجريب… وقد تتشابه المواضيع المطروحة أمام اليافع، فقد يتناول أكثر من كاتب موضوع الحرب أو اللجوء أو الحب أو الهجرة، وقد تكون هناك أكثر من قصة أو رواية في نفس الموضوع، ولكن طريقة طرحها ووجهة النظر التي تطرحها قد تكون مختلفة، وهذا يصب في إطار مشاركتنا التجربة الإنسانية الواحدة التي تجبلنا أحيانا بنفس المشاعر وتدفعنا إلى نفس التفكير، وفي هذا تأكيد على أن المشاعر الإنسانية الصادقة ستجمعنا بالرغم من تنوعنا واختلافنا.
لقد تطرقت كثيرًا في رواياتي لمواضيع تهم اليافع مثل الصداقة، والتواصل مع الآخرين، والبحث عن الذات، والرغبة الكبيرة في القبول من الآخر… وأحاول باستمرار أن أتطرّق لمواضيع جديدة وأن أكتشف المزيد عن اهتمامات قرّائي، وفي المحصلة فإن الأدب الجيد يفرض نفسه والرواية التي تصل إلى قلب القارئ الذي يعتبر الناقد الأول، هي بلا شك الرواية الناجحة التي ستترك بصمتها مهما طال الزمن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

This site uses cookies to offer you a better browsing experience. By browsing this website, you agree to our use of cookies.